فصل: 94- باب إكرام الضيف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.91- بابُ الوَعظ والاقتصاد فِيهِ:

قَالَ الله تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبيلِ رَبِّكَ بالحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125].
في هذه الآية: الأمر بالدعاء إلى دين الله، وتوحيده بالقرآن، وما فيه من المواعظ بلين ورفق من غير تغليظ، ولا تعنيف، ولهذا قال: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
699- وعن أَبي وائلٍ شقيقِ بن سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ ابنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يُذَكِّرُنَا في كُلِّ خَمِيسٍ مَرَّةً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ، لَوَدِدْتُ أنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: أمَا إنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أنَّي أكْرَهُ أنْ أُمِلَّكُمْ، وَإنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. متفقٌ عَلَيْهِ.
«يَتَخَوَّلُنَا»: يَتَعَهَّدُنَا.
الموعظة: الوعظ، وهو الترغيب في ثواب الله لمن أطاعه، والترهيب من عقابه لمن عصاه.
وفي الحديث: مراعاة الأوقات في التذكير، لأن النفوس من طبعها الملل مما يداوم عليه وإن كان محبوبًا لها.
700- وعن أَبي اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقههِ، فأطِيلُوا الصَّلاَةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ». رواه مسلم.
«مَئِنَّةٌ» بميم مفتوحة ثُمَّ همزة مكسورة ثُمَّ نون مشددة، أيْ: عَلاَمَةٌ دَالَّةٌ عَلَى فِقْهِهِ.
إنما كان قصر الخطبة علامة على فقه الرجل، لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني، وجوامع الألفاظ فيتمكن من التعبير بالكلام الجزل المفيد.
701- وعن مُعاوِيَة بن الحكم السُّلَمي رضي الله عنه قال: بَيْنَا أنَا أُصَلّي مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَرَمَانِي القَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ! فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ، مَا شَأنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأيديهم عَلَى أَفْخَاذِهِمْ! فَلَمَّا رَأيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لكِنّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَبِأبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ مَا كَهَرَني، وَلا ضَرَبَنِي، وَلا شَتَمَنِي. قَالَ: «إنَّ هذِهِ الصَّلاَةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَقِراءةُ القُرْآنِ»، أَوْ كَمَا قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلتُ: يَا رسول الله، إنّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالإسْلاَمِ، وَإنَّ مِنّا رِجَالًا يَأتُونَ الْكُهّانَ؟ قَالَ: «فَلاَ تَأتِهِمْ» قُلْتُ: وَمِنّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ؟ قَالَ: «ذَاكَ شَيْء يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ فَلا يَصُدَّنَّهُمْ». رواه مسلم.
«الثُكْلُ» بضم الثاءِ المُثلثة: المُصيبَةُ الفَجِيعَةُ. «مَا كَهَرَنِي» أيْ: مَا نَهَرَنِي.
قوله: «إنما هي التسبيح»، أي: إنما الكلمات الصالحة فيها التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ونحو ذلك.
وفي رواية: إنما هو، أي: الذي يصلح في الصلاة التسبيح ونحوه.
وفي الحديث: أن من تكلم جاهلًا لا تبطل صلاته.
وفيه: النهي عن إتيان الكهان، والنهي عن التطير، وعن العمل بالطيرة.
702- وعن العِرْباض بن ساريَةَ رضي الله عنه قال: وَعَظَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ... وَذَكَرَ الحَدِيثَ وَقَدْ سَبَقَ بِكَمَالِهِ في باب الأمْر بِالمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَّة، وَذَكَرْنَا أنَّ التَّرْمِذِيَّ، قَالَ: (إنّه حديث حسن صحيح).
في الحديث: استحباب الموعظة بما يحرك القلوب من الكلام الجزل الجامع البليغ.

.92- باب الوقار والسكينة:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا} [الفرقان: 63].
الهون: السيكنة والوقار، أي: يمشون متواضعين غير أشرين، ولا مرحين، ولا متكبِّرين.
قال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفة لا يسفهون، وإن سفه عليهم حلموا.
وقال الحسن البصري: إنَّ المؤمنين قوم ذلل ذلت منهم والله الأسماع، والأبصار، والجوارح حتى يحسبهم الجاهل مرضى وما بالقوم من مرض وإنهم والله لأصحّاء، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة. فقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، أما والله ما أحزنهم ما أحزن الناس، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجندَ ولكن أبكاهم الخوف من النار أنه من لم يتعزى بعزاء الله تقطع نفسه عن الدنيا حسرات. ومن لم ير لله نعمة إلا في مطعم أو مشرب فقد قلَّ علمه، وحضر عذابه.
قال ابن كثير: والمراد بالهون هنا: لسكينة والوقار، وليس المراد أنهم يمشون كالمرض تصنُّعًا ورياء. فقد كان سيِّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له.
703- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: مَا رَأيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى تُرَى مِنهُ لَهَوَاتُهُ إنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
«اللَّهْوَاتُ» جَمْعُ لَهَاةٍ: وَهِيَ اللَّحْمَةُ الَّتي في أقْصى سَقْفِ الْفَمِ.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم ويضحك ولا يبالغ في الضحك.

.93- باب الندب إِلَى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ} [الحج: 32].
أي: تعظيم أوامر الله ناشئ من تقوى قلوبهم.
704- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ تَأتُوهَا وَأنْتُمْ تَسْعَونَ، وَأتُوهَا وَأنْتُمْ تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أدْرَكْتُم فَصَلُّوا وَمَا فَاتكُمْ فَأَتِمُّوا». متفقٌ عَلَيْهِ.
زاد مسلِمٌ في روايةٍ لَهُ: «فَإنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاَةِ فَهُوَ في صَلاَةٍ».
قال النووي: السكينة: التأني في الحركات، واجتناب العبث والوقار في الهيئة كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات.
قوله: «فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا»، أي: أكملوا ما بقي من صلاتكم.
705- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَاءهُ زَجْرًا شَديدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا للإِبْلِ، فَأشَارَ بِسَوْطِهِ إلَيْهِمْ، وقال: «أيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ، فَإنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بالإيضَاعِ». رواه البخاري، وروى مسلم بعضه.
«الْبِرُّ»: الطَّاعَةُ. وَ«الإيضَاعُ» بِضادٍ معجمةٍ قبلها ياءٌ وهمزةٌ مكسورةٌ، وَهُوَ: الإسْرَاعُ.
أي: أن البر ليس بالعجلة وإنما هو بالخضوع، والخشوع والاستكانة لمن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

.94- باب إكرام الضيف:

قَالَ الله تَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [الذاريات: 24- 27].
قوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}، فيه تعظيم لشأن هذا الحديث، وتنبيه على أنه إنما عرف ذلك بالوحي، {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا}، أي: نسلم عليكم سلامًا. قال: {قَالَ سَلامٌ}، أي: عليكم {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ}، أي: أنتم قوم لا نعرفكم، {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ}، أي: انسل خفيةً في سرعة، {فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ}، وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة فإنه جاء بطعام بسرعة من حيث لا يشعرون وأتى بأفضل ما وجد من ماله ووضعه بين أيديهم، وقال: ألا تأكلون؟ على سبيل العرض والتلطف.
وقال تَعَالَى: {وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ في ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78].
{وَجَاءهُ}، أي: لوطًا {قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} يسرعون إليه عجلة لنيل مطلوبهم من أضيافه. {وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} أي: يأتون الرجال، يعني هذه عادتهم من قبل. {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي}، أي: فتزوَّجوهن واتركوا أضيافي.
وقال الشيخ ابن سعدي: {وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، يريدون فعل الفاحشة بأضياف لوط. فقال: {يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، لعلمه أنه لا حق بهم فيهن كما عرض سليمان للمرأتين حين اختصما في الولد. فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما. ومن المعلوم أنه لا يقع ذلك، وهذا مِثْلُه. ولهذا قال قومه: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79]، وأيضًا يريد بعض العذر من أضيافه.
706- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
إكرام الضيف تلقيه بطلاقة الوجه، وتعجيل قراه.
وفيه: أن إكرام الضيف، وصلة الرحم، وقول الخير، والصمات عن الشر من الإِيمان.
707- وعن أَبي شُرَيْح خُوَيْلِدِ بن عَمرو الخُزَاعِيِّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ»، قالوا: وَمَا جَائِزَتُهُ؟ يَا رسول الله، قَالَ: «يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية لِمسلمٍ: «ولَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يُقِيمَ عِنْدَ أخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ» قالوا: يَا رسول الله، وَكيْفَ يُؤْثِمُهُ؟ قَالَ: «يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلا شَيْءَ لَهُ يُقْرِيه بِهِ».
قال العلماء: المطلوب من المضيف أن يبالغ في إكرام الضيف اليوم الأول وليلته، وفي باقي اليومين يأتي له بما تيسر من الإِكرام.
وفي الحديث: الحث على النظر إلى حال المضيف، والتخفيف عنه.